الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأحكام السلطانية والسياسة الدينية والولايات الشرعية
فَدَخَلَ أَبُو يُوسُفَ عَلَى الرَّشِيدِ وَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ وَأَقْرَأهُ الرُّقْعَةَ فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ: تَدَارَكْ هَذَا الْأَمْرَ بِحِيلَةٍ لِئَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَخَرَجَ أَبُو يُوسُفَ وَطَالَبَ أَصْحَابَ الدَّمِ بِبَيِّنَةٍ عَلَى صِحَّةِ الذِّمَّةِ وَثُبُوتِهَا فَلَمْ يَأْتُوا بِهَا فَأَسْقَطَ الْقَوَدَ؛ وَالتَّوَصُّلُ إلَى مِثْلِ هَذَا سَائِغٌ عِنْدَ ظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ، وَإِنْ فَضُلَتْ قِيمَةُ الْقَاتِلِ عَلَى الْمَقْتُولِ.وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا قَوَدَ عَلَى الْقَاتِلِ إذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى قِيمَةِ الْمَقْتُولِ.وَإِذَا اخْتَلَفَ أَدْيَانُ الْكُفَّارِ قُيِّدَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ.وَيُقَادُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ بِالرَّجُلِ وَالْكَبِيرُ بِالصَّغِيرِ وَالْعَاقِلُ بِالْمَجْنُونِ، وَلَا قَوَدَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا يُقَادُ وَالِدُ وَلَدٍ وَيُقَادُ الْوَلَدُ بِالْوَالِدِ وَالْأَخُ بِالْأَخِ وَأَمَّا الْخَطَأُ الْمَحْضُ فَهُوَ أَنْ يَتَسَبَّبَ إلَيْهِ فِي الْقَتْلِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، فَلَا يُقَادُ الْقَاتِلُ بِالْمَقْتُولِ كَرَجُلٍ رَمَى هَدَفًا فَأَمَاتَ إنْسَانًا أَوْ حَفَرَ بِئْرًا فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ أَوْ أَشْرَعَ جَنَاحًا فَوَقَعَ عَلَى إنْسَانٍ أَوْ رَكِبَ دَابَّةً فَرَمَحَتْ وَوَطِئَتْ إنْسَانًا أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ فَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ إذَا حَدَثَ عَنْهُ الْمَوْتُ قَتْلٌ خَطَأٌ مَحْضٌ يُوجِبُ الدِّيَةَ دُونَ الْقَوَدِ، وَتَكُونُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي لَا فِي مَالِهِ مُؤَجَّلَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ حِينَ يَمُوتُ الْقَتِيلُ.وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ حِينَ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِدِيَتِهِ، وَالْعَاقِلَةُ مِنْ عَدَدِ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ مِنْ الْعَصَبَاتِ، فَلَا يَحْمِلُهُ الْأَبُ وَإِنْ عَلَا وَلَا الِابْنُ وَإِنْ سَفَلَ وَجَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ الْآبَاءَ وَالْأَبْنَاءَ مِنْ الْعَاقِلَةِ، وَلَا يَتَحَمَّلُ الْقَاتِلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ مِنْ الدِّيَةِ.وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ يَكُونُ الْقَاتِلُ كَأَحَدِ الْعَاقِلَةِ، وَاَلَّذِي يَتَحَمَّلُهُ الْمُوسِرُ مِنْهُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ نِصْفُ دِينَارٍ أَوْ قَدْرُهُ مِنْ الْإِبِلِ، وَيَتَحَمَّلُ الْأَوْسَطُ رُبْعَ دِينَارٍ أَوْ قَدْرَهُ مِنْ الْإِبِلِ، وَلَا يَتَحَمَّلُ الْفَقِيرُ شَيْئًا مِنْهَا.وَمَنْ أَيْسَرَ بَعْدَ فَقْرِهِ تَحَمَّلَ، وَمَنْ افْتَقَرَ بَعْدَ يَسَارِهِ لَمْ يَتَحَمَّلْ.وَدِيَةُ نَفْسِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ إنْ قُدِّرَتْ ذَهَبًا أَلْفُ دِينَارٍ مِنْ غَالِبِ الدَّنَانِيرِ الْجَيِّدَةِ، وَإِنْ قُدِّرَتْ وَرِقًا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَإِنْ كَانَتْ إبِلًا فَهِيَ مِائَةُ بَعِيرٍ أَخْمَاسًا، مِنْهَا عِشْرُونَ ابْنَةَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ ابْنَةَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةً؛ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَأَصْلُ الدِّيَةِ الْإِبِلُ، وَمَا عَدَاهَا بَدَلٌ.وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ النِّصْفُ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فِي النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ.وَاخْتُلِفَ فِي دِيَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهَا كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ، قَالَ مَالِكٌ: نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ؛ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا ثُلُثُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ.وَأَمَّا الْمَجُوسِيُّ فَدِيَتُهُ ثُلُثَا عُشْرِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَدِيَةُ الْعَبْدِ قِيمَتُهُ مَا بَلَغَتْ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ أَضْعَافًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ.وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا أَبْلُغُ بِهَا دِيَةَ الْحُرِّ إذَا زَادَتْ وَأَنْقُصُ مِنْهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَأَمَّا الْعَمْدُ شِبْهُ الْخَطَإِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَامِدًا فِي الْفِعْلِ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلْقَتْلِ كَرَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلًا بِخَشَبَةٍ أَوْ رَمَى بِحَجَرٍ يَجُوزُ أَنْ يَسْلَمَ مِنْ مِثْلِهَا أَوْ يَتْلَفَ فَأَفْضَى إلَى قَتْلِهِ أَوْ كَمُعَلِّمٍ ضَرَبَ صَبِيًّا بِمَعْهُودٍ أَوْ عَزَّرَ السُّلْطَانُ رَجُلًا عَلَى ذَنْبٍ فَتَلِفَ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْقَتْلِ، وَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُغَلَّظَةً وَتَغْلِيظُهَا فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ أَنْ يُزَادَ عَلَيْهَا ثُلُثُهَا، وَفِي الْإِبِلِ أَنْ تَكُونَ أَثْلَاثًا مِنْهَا ثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خِلْفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَبْدًا وَلَا عَمْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا».وَدِيَةُ الْخَطَإِ الْمَحْضِ فِي الْحَرَمِ وَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَذِي الرَّحِمِ مُغَلَّظَةٌ، وَدِيَةُ الْعَمْدِ الْمَحْضِ إذَا عُفِيَ فِيهِ عَنْ الْقَوَدِ مُغَلَّظَةٌ تُسْتَحَقُّ فِي مَالِ الْقَاتِلِ حَالَّةً وَإِذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي قَتْلِ وَاحِدٍ وَجَبَ الْقَوَدُ عَلَى جَمِيعِهِمْ فَعَلَيْهِمْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَثُرُوا؛ وَلِوَلِيِّ الدَّمِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَيَقْتُلَ بَاقِيَهُمْ، وَإِنْ عَفَا عَنْ جَمِيعِهِمْ فَعَلَيْهِمْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ تَسْقُطُ عَلَيْهِمْ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ ذَابِحًا وَبَعْضُهُمْ جَارِحًا أَوْ مُوجِئًا فَالْقَوَدُ فِي النَّفْسِ عَلَى الذَّابِحِ، وَالْمُوجِئِ، وَالْجَارِحُ مَأْخُوذٌ بِحُكْمِ الْجِرَاحَةِ دُونَ النَّفْسِ.وَإِذَا قَتَلَ الْوَاحِدُ جَمَاعَةً قُتِلَ بِالْأَوَّلِ وَلَزِمَتْهُ فِي مَالِهِ دِيَةُ الْبَاقِينَ.وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْتَلُ جَمِيعَهُمْ وَلَا دِيَةَ عَلَيْهِ؛ وَإِذَا قَتَلَهُمْ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ وَكَانَ الْقَوَدُ لِمَنْ قُرِعَ مِنْهُمْ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَى أَوْلِيَاؤُهُمْ عَلَى تَسْلِيمِ الْقَوَدِ لِأَحَدِهِمْ فَيُقَادُ لَهُ وَيَلْزَمُ فِي مَالِهِ دِيَاتُ الْبَاقِينَ، وَإِذَا أَمَرَ الْمُطَاعُ رَجُلًا بِالْقَتْلِ فَالْقَوَدُ عَلَى الْآمِرِ وَالْمَأْمُورِ مَعًا، وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ غَيْرَ مُطَاعٍ كَانَ الْقَوَدُ عَلَى الْمَأْمُورِ دُونَ الْآمِرِ؛ وَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى الْقَتْلِ وَجَبَ الْقَوَدُ عَلَى الْمُكْرَهِ، وَفِي وُجُوبِهِ عَلَى الْمُكْرَهِ قَوْلَانِ:وَأَمَّا الْقَوَدُ فِي الْأَطْرَافِ فَكُلُّ طَرَفٍ قُطِعَ مِنْ مِفْصَلٍ فَفِيهِ الْقَوَدُ فَيُقَادُ مِنْ الْيَدِ بِالْيَدِ وَالرِّجْلِ بِالرِّجْلِ وَالْأُصْبُعِ بِالْأُصْبُعِ وَالْأُنْمُلَةِ بِالْأُنْمُلَةِ وَالسِّنِّ بِمِثْلِهَا، وَلَا تُقَادُ يُمْنَى بِيُسْرَى وَلَا عُلْيَا بِسُفْلَى وَلَا ضِرْسٌ بِسِنٍّ وَلَا ثَنِيَّةٌ بِرُبَاعِيَّةٍ، وَلَا يُؤْخَذُ بِسِنِّ مَنْ قَدْ ثُغِرَ سِنُّ مَنْ لَمْ يَثْغَرْ؛ وَلَا تُؤْخَذُ يَدٌ سَلِيمَةٌ بِيَدٍ شَلَّاءَ وَلَا بِلِسَانٍ أَخْرَسَ، وَتُؤْخَذُ الْيَدُ الْكَاتِبَةُ وَالصَّانِعَةُ بِيَدِ مَنْ لَيْسَ بِكَاتِبٍ وَلَا صَانِعٍ.وَتُؤْخَذُ الْعَيْنُ بِالْعَيْنِ وَتُؤْخَذُ النَّجْلَاءُ بِالْحَوْلَاءِ وَالْعَشْوَاءِ، وَلَا تُؤْخَذُ الْعَيْنُ الْقَائِمَةُ وَالْيَدُ الشَّلَّاءُ إلَّا بِمِثْلِهَا، وَيُقَادُ الْأَنْفُ الَّذِي يَشُمُّ بِالْأَنْفِ الْأَخْشَمِ، وَأُذُنُ السَّمِيعِ بِأُذُنِ الْأَصَمِّ.وَقَالَ مَالِكٌ: لَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَيُقَادُ مِنْ الْعَرَبِيِّ بِالْعَجَمِيِّ، وَمِنْ الشَّرِيفِ بِالدَّنِيءِ.فَإِنَّ عُفِيَ عَنْ الْقَوَدِ بِهَذِهِ الْأَطْرَافِ إلَى الدِّيَةِ فَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ؛ وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ عُشْرُ الدِّيَةِ وَهُوَ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ أَنَامِلِ الْأَصَابِعِ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ إلَّا أُنْمُلَةَ الْإِبْهَامِ فَفِيهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَدِيَةُ الْيَدَيْنِ كَالرِّجْلَيْنِ إلَّا فِي أَنَامِلِهِمَا فَيَكُونُ فِي كُلِّ أُنْمُلَةٍ مِنْهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ.وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَلَا فَضْلَ لِعَيْنِ الْأَعْوَرِ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَأَوْجَبَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ جَمِيعَ الدِّيَةِ.وَفِي الْجُفُونِ الْأَرْبَعِ جَمِيعُ الدِّيَةِ، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا رُبْعُ الدِّيَةِ وَفِي الْأَنْفِ الدِّيَةُ، وَفِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ وَفِي الشَّفَتَيْنِ رُبْعُ الدِّيَةِ وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَلَا فَضْلَ لِسِنٍّ عَلَى ضِرْسٍ وَلَا لِثَنِيَّةٍ عَلَى نَاجِذٍ، وَفِي إذْهَابِ السَّمْعِ الدِّيَةُ، فَإِنْ قَطَعَ أُذُنَيْهِ فَأَذْهَبَ سَمْعَهُ فَعَلَيْهِ دِيَتَانِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَطَعَ أَنْفَهُ فَأَذْهَبَ شَمَّهُ فَعَلَيْهِ دِيَتَانِ، وَفِي إذْهَابِ الْكَلَامِ الدِّيَةُ فَإِنْ قَطَعَ لِسَانَهُ فَأَذْهَبَ كَلَامَهُ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَفِي إذْهَابِ الْعَقْلِ الدِّيَةُ.وَفِي إذْهَابِ الذَّكَرِ الدِّيَةُ؛ وَذَكَرُ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ وَغَيْرِهِمَا سَوَاءٌ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي ذَكَرِ الْعِنِّينِ وَالْخَصِيِّ حُكُومَةٌ، وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ؛ وَفِي ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ دِيَتُهَا، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي ثَدْيَيْ الرَّجُلِ حُكُومَةٌ وَقِيلَ دِيَةٌ.وَأَمَّا الشِّجَاجُ، فَأَوَّلُهَا الْخَارِصَةُ وَهِيَ الَّتِي أَخَذَتْ فِي الْجِلْدِ، وَلَا قَوَدَ فِيهَا، وَلَا دِيَةَ، وَفِيهَا حُكُومَةٌ.ثُمَّ الدَّامِيَةُ، وَهِيَ الَّتِي أَخَذَتْ فِي الْجِلْدِ وَأَدَمَتْ وَفِيهَا حُكُومَةٌ، ثُمَّ الدَّامِغَةُ، وَهِيَ الَّتِي قَدْ خَرَجَ دِمَاؤُهَا مِنْ قَطْعِ الْجِلْدِ كَالدَّامِغَةِ وَفِيهَا حُكُومَةٌ.ثُمَّ الْمُتَلَاحِمَةُ، وَهِيَ الَّتِي قَطَعَتْ وَأَخَذَتْ فِي اللَّحْمِ وَفِيهَا حُكُومَةٌ.ثُمَّ الْبَاضِعَةُ وَهِيَ الَّتِي قَطَعَتْ اللَّحْمَ بَعْدَ الْجِلْدِ وَفِيهَا حُكُومَةٌ.ثُمَّ السِّمْحَاقُ، وَهِيَ الَّتِي قَطَعَتْ جَمِيعَ اللَّحْمِ بَعْدَ الْجِلْدِ وَأَبْقَتْ عَلَى عَظْمِ الرَّأْسِ غِشَاوَةً رَقِيقَةً وَفِيهَا حُكُومَةُ وَحُكُومَاتُ هَذِهِ الشِّجَاجِ تَزِيدُ عَلَى حَسَبِ تَرْتِيبِهَا.ثُمَّ الْمُوضِحَةُ، وَهِيَ الَّتِي قَطَعَتْ الْجِلْدَ وَاللَّحْمَ وَالْغِشَاوَةَ وَأَوْضَحَتْ عَنْ الْعَظْمِ فَفِيهَا الْقَوَدُ، فَإِنْ عُفِيَ عَنْهَا فَفِيهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ.ثُمَّ الْهَاشِمَةُ، وَهِيَ الَّتِي أَوْضَحَتْ عَنْ اللَّحْمِ حَتَّى ظَهَرَ وَهَشَّمَتْ عَظْمَ الرَّأْسِ حَتَّى تَكَسَّرَ وَفِيهَا عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ؛ فَإِنْ أَرَادَ الْقَوَدَ مِنْ الْهَشْمِ لَمْ يَكُنْ لَهُ، وَإِنْ أَرَادَهُ مِنْ الْمُوضِحَةِ قُيِّدَ لَهُ مِنْهَا، وَأُعْطِي فِي زِيَادَةِ الْهَشْمِ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ وَقَالَ مَالِكٌ: فِي الْهَشْمِ حُكُومَةٌ.ثُمَّ الْمُنَقِّلَةُ، وَهِيَ الَّتِي أَوْضَحَتْ وَهَشَّمَتْ حَتَّى شَظِيَ الْعَظْمُ وَزَالَ عَنْ مَوْضِعِهِ وَاحْتَاجَ إلَى نَقْلِهِ وَإِعَادَتِهِ وَفِيهَا خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الْإِبِلِ، فَإِنْ اسْتَقَادَ مِنْ الْمُوضِحَةِ أُعْطِيَ فِي الْهَشْمِ وَالتَّنْقِيلِ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ.ثُمَّ الْمَأْمُومَةُ وَتُسَمَّى الدَّامِغَةَ، وَهِيَ الَّتِي وَصَلَتْ إلَى أُمِّ الدِّمَاغِ وَفِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ.وَأَمَّا جِرَاحُ الْجَسَدِ فَلَا تُقَدَّرُ دِيَةُ شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا الْجَافِيَةَ، وَهِيَ الْوَاصِلَةُ إلَى الْجَوْفِ وَفِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَلَا قَوَدَ فِي جِرَاحِ الْجَسَدِ إلَّا الْمُوضِحَةَ عَنْ عَظْمٍ فَفِيهَا حُكُومَةٌ.وَإِذَا قُطِعَتْ أَطْرَافُهُ فَانْدَمَلَتْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ دِيَاتُهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَضْعَافَ دِيَةِ النَّفْسِ، وَلَوْ مَاتَ مِنْهَا قَبْلَ انْدِمَالِهَا كَانَتْ عَلَيْهِ دِيَةُ النَّفْسِ وَسَقَطَتْ دِيَاتُ الْأَطْرَافِ، وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ انْدِمَالِ بَعْضِهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ دِيَةُ النَّفْسِ فِيمَا لَمْ يَنْدَمِلْ مَعَ دِيَةِ الْأَطْرَافِ، وَفِيمَا انْدَمَلَ مِنْ لِسَانِ الْأَخْرَسِ وَيَدِ الْأَشَلِّ وَالْأُصْبُعِ الزَّائِدِ وَالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ حُكُومَةٌ، وَالْحُكُومَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَنْ يُقَوِّمَ الْحَاكِمُ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ عَبْدًا لَمْ يُجْنَ عَلَيْهِ ثُمَّ يُقَوِّمَهُ لَوْ كَانَ عَبْدًا بَعْدَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَيُعْتَبَرَ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ دِيَتِهِ فَيَكُونَ قَدْرُ الْحُكُومَةِ فِي جِنَايَتِهِ.وَإِذَا ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ مِنْ الضَّرْبِ جَنِينًا مَيِّتًا فَفِيهِ إذَا كَانَ حُرًّا غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ وَلَوْ كَانَ مَمْلُوكًا فَفِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، فَإِنْ اسْتَهَلَّ الْجَنِينُ صَارِخًا فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَعَلَى كُلِّ قَاتِلِ نَفْسٍ ضَمِنَ دِيَتَهَا الْكَفَّارَةُ عَامِدًا كَانَ أَوْ خَاطِئًا وَأَوْجَبَهَا أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الْخَاطِئِ، دُونَ الْعَامِدِ.وَالْكَفَّارَةُ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ سَلِيمَةٍ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ بِالْعَمَلِ، فَإِنْ أَعْوَزَهَا صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَإِذَا ادَّعَى قَوْمٌ قَتْلًا عَلَى قَوْمٍ، وَمَعَ الدَّعْوَى لَوْثٌ وَاللَّوْثُ أَنْ يَعْنُوا بِالدَّعْوَى مَا يُوقِعُ فِي النَّفْسِ صِدْقَ الْمُدَّعِي فَيَصِيرُ الْقَوْلُ بِاللَّوْثِ قَوْلَ الْمُدَّعِي فَيَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيُحْكَمُ لَهُ بِالدِّيَةِ دُونَ الْقَوَدِ، وَلَوْ نَكَلَ الْمُدَّعِي عَنْ الْيَمِينِ أَوْ بَعْضِهَا حَلَفَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَبَرِئَ.وَإِذَا وَجَبَ الْقَوَدُ فِي نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ لَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِاسْتِيفَائِهِ إلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ، فَإِنْ كَانَ فِي طَرَفٍ لَمْ يُمَكِّنْهُ السُّلْطَانُ مِنْ اسْتِيفَائِهِ حَتَّى يَتَوَلَّاهُ غَيْرُهُ، وَأَجَرَهُ الَّذِي يَتَوَلَّاهُ فِي مَالِ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ دُونَ الْمُقْتَصِّ لَهُ.وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَكُونُ فِي مَالِ الْمُقْتَصِّ لَهُ دُونَ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ الْقِصَاصُ فِي نَفْسٍ جَازَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ السُّلْطَانُ فِي اسْتِيفَائِهِ بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ ثَابِتَ النَّفْسِ إلَّا اسْتَوْفَاهُ السُّلْطَانُ لَهُ بِأَوْحَى سَيْفٍ وَأَمْضَاهُ، فَإِنْ تَفَرَّدَ وَلِيُّ الْقَوَدِ بِاسْتِيفَائِهِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ وَلَمْ يَتَعَدَّ عَزَّرَهُ السُّلْطَانُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَيْهِ، وَقَدْ صَارَ إلَى حَقِّهِ الْقَوَدُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
|